فصل: تفسير الآيات (62- 66):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (62- 66):

{وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63) إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64) قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66)}
الضمير في: {قالوا} لأشراف الكفار ورؤسائهم، أخبر الله عنهم أنهم يتذكرون إذا دخلوا النار لقوم من مستضعفي المؤمنين فيقولون هذه المقالة، وهذا مطرد في كل أمة جاءها رسول. وروي أن القائلين من كفار عصر النبي عليه السلام هم أبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، وأهل القليب ومن جرى مجراهم، قاله مجاهد وغيره، والمعنى: كنا نعدهم في الدنيا أشراراً لا خلاق لهم، وأمال الراء {من الأشرار}: أبو عمرو وابن عامر والكسائي، وفتحها ابن كثير وعاصم، وأشم نافع وحمزة.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: {أتخذناهم سخرياً} بألف الاستفهام، ومعناها: تقرير أنفسهم على هذا على جهة التوبيخ لها والأسف، أي أتخذناهم سخرياً ولم يكونوا كذلك، واستبعد معنى هذه القراءة أبو علي. وقرأ نافع وحمزة والكسائي: {سُخريا} بضم السين، وهي قراءة الأعرج وشيبة وأبي جعفر وابن مسعود وأصحابه ومجاهد والضحاك، ومعناها: من السخرة والاستخدام. وقرأ الباقون: {سِخرياً} بكسر السين وهي قراءة الحسن وأبي رجاء وعيسى وابن محيصن ومعناها المشهور من السخر الذي هو الهزء، ومنه قول الشاعر [عامر بن الحارث]: [البسيط]
إني أتاني لسان لا أسر بها ** من علو لا كذب فيها ولا سخر

وقالت فرقة يكون كسر السين من التسخير.
و{أم} في قولهم: {أم زاغت} معادلة ل {ما} في قولهم: {ما لنا لا نرى} وذلك أنها قد تعادل {ما}، وتعادل من، وأنكر بعض النحويين هذا، وقال: إنها لا تعادل إلا الألف فقط. والتقدير في هذه الآية: أمفقودون هم أم زاغت؟ ومعنى هذا الكلام: أليسوا معنا أم هم معنا؟ ولكن أبصرنا تميل عنهم فلا تراهم، والزيغ: الميل.
ثم أخبر الله تعالى نبيه بقوله: {إن ذلك لحق تخاصم أهل النار} و: {تخاصم} بدل من قوله: {لحق}.
وقرأ ابن أبي عبلة: {تخاصمَ} بفتح الميم. وقرأ ابن محيصن: {تخاصمٌ} بالتنوين {أهلُ النار} برفع اللام.
ثم أمر نبيه أن يتجرد للكفار من جيمع الأغراض، إلا أنه منذر لهم، وهذا توعد بليغ محرك للنفوس، وباقي الآية بين.

.تفسير الآيات (67- 74):

{قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74)}
الإشارة بقوله تعالى: {قل هو نبأ عظيم} إلى التوحيد والمعاد، فهي إلى القرآن وجميع ما تضمن، وعظمه أن التصديق به نجاة، والتكذيب به هلكة. وحكى الطبري: أن شريحاً اختصم إليه أعرابي فشهد عليه، فأراد شريح أن ينفذ الحكم، فقال له الأعرابي: أتحكم بالنبأ؟ فقال شريح: نعم، إن الله يقول: {قل هو نبأ}، وقرأ الآية حكم عليه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا الجواب من شريح إنما هو بحسب لفظ الأعرابي ولم يحرر معه الكلام، وإنما قصد إلى ما يقطعه به، لأن الأعرابي لم يفرق بين الشهاد والنبأ.
والنبأ في كلام العرب بمعنى: الخبر، ووبخهم بقوله: {أنتم عنه معرضون}، ثم قال: {ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون} وهذا احتجاج لصحة أمر محمد صلى الله عليه وسلم كأنه يقول: هذا أمر خطر وأنتم تعرضون عنه مع صحته، ودليل صحته أني أخبركم فيه بغيوب لم تأت إلا من عند الله، فإني لم يكن لي علم بالملأ الأعلى، أراد به الملائكة. والضمير في: {يختصمون} عند جمهور المفسرين هو للملائكة.
واختلف الناس في الشيء الذي هو اختصامهم فيه، فقالت: فرقة اختصامهم في أمر آدم وذريته في جعلهم في الأرض، ويدل على ذلك ما يأتي من الآيات، فقول الملائكة: {أتجعل فيها من يفسد فيها} [البقرة: 30] هو الاختصام، وقالت فرقة: بل اختصامهم في الكفارات وغفر الذنوب ونحوه، فإن العبد إذا فعل حسنة اختلف الملائكة في قدر ثوابه في ذلك حتى يقضي الله بما شاء، وورد في هذا حديث فسره ابن فورك، لأنه يتضمن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ربه عز وجل في نومه: فيم يختصمون؟ فقلت لا أدري، فقال في الكفارات، وهي إسباغ الوضوء في السبرات ونقل الخطى إلى الجماعات الحديث بطوله قال: فوضع الله يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي.
قال القاضي أبو محمد: فتفسير هذا الحديث أن اليد هي نعمة العلم.
وقوله: بردها، أي السرور بها والثلج، كما تقول العرب في الأمر السار: يا برده على الكبد ونحو هذا، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصلاة بالليل هي الغنيمة الباردة» أي السهلة التي يسر بها الإنسان. وقالت فرقة: المراد بقوله: {بالملإ الأعلى} الملائكة.
وقوله: {إذ يختصمون} مقطوع منه معناه: إذ تختصم العرب الكافر في الملإ فيقول بعضها هي بنات الله، ويقول بعضها: هي آلهة تعبد، وغير ذلك من أقوالهم، وقالت فرقة: أراد ب الملأ الأعلى قريشاً. وهذا قول ضعيف لا يتقوى من جهة.
وقرأ جمهور الناس: {ألا أنما} بفتح الألف، كأنه يقول: ألا إنذار.
وقرأ أبو جعفر {إلا أنما أنا} على الحكاية، كأنه قيل له: أنت نذير مبين، فحكى هذا المعنى، وهذا كما يقول إنسان: أنا عالم، فيقال له: قلت إنك عالم، فيحكي المعنى.
و: {إذ} في قوله: {إذ قال ربك} بدل من قوله: {إذ} الأولى على تأويل من رأى الخصومة في شأن من يستخلف في الأرض، وعلى الأقوال الأخر يكون العامل في {إذ} الثانية فعل مضمر تقديره: واذكر إذ قال. والبشر المخلوق من الطين. هو آدم عليه السلام و: {سويته} يريد به شخصه. {ونفخت} هي عبارة عن إجراء الروح فيه، هي عبارة على نحو ما يفهم من إجراء الأشياء بالنفخ.
وقوله: {من روحي} هي إضافة ملك إلى مالك، لأن الأرواح كلها هي ملك لله تعالى، وأضاف إلى نفسه تشريفاً.
وقوله: {ساجدين} اختلف الناس فيه، فقالت فرقة: على السجود المتعارف. وقالت فرقة معناه: خاضعين على أصول السجود في اللغة. ثم أخبر تعالى أن الملائكة بأمره سجدوا {إلا إبليس} فإنه {استكبر} عن السجود.
وقوله تعالى: {وكان من الكافرين} يحتمل أن يريد به: وكان من أول أمره من الكافرين في علم الله تعالى، قاله ابن عباس، ويحتمل أن يريد: ووجد عند هذه الفعلة من الكافرين، وعلى القولين فقد حكم الله على إبليس بالكفر، وأخبر أنه كان عقد قلبه في وقت الامتناع.

.تفسير الآيات (75- 81):

{قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81)}
القائل لإبليس هو الله عز وجل، وقوله: {ما منعك} تقرير وتوبيخ.
وقرأ عاصم والجحدري: {لَمَّا خلقت} بفتح اللام من: {لَمَّا} وشد الميم.
وقرأ جمهور الناس {بيديْ} بالتثنية. وقرأ فرقة: {بيديَّ} بفتح الياء، وقد جاء في كتاب الله: {مما عملت أيدينا} [يس: 71] بالجمع.
وهذه كلها عبارة عن القدرة والقوة، وعبر عن هذا المعنى بذكر اليد تقريباً على السامعين، إذا المعتاد عند البشر أن القوه والبطش والاقتدار إنما هو باليد، وقد كانت جهالة العرب بالله تعالى تقتضي أن تنكر نفوسها أن يكون خلق بغير مماسة، ونحو هذا من المعاني المعقولة، وذهب القاضي ابن الطيب إلى أن اليد والعين والوجه صفات ذات زائدة على القدرة والعلم غير ذلك من متقرر صفاته تعالى، وذلك قول مرغوب عنه ويسميها الصفات الخبرية. وروي في بعض الآثار أن الله تعالى خلق أربعة أشياء بيده وهي: العرش والقلم وجنة عدن وآدم وسائر المخلوقات بقوله: كن.
قال القاضي أبو محمد: وهذا إن صح فإنما ذكر على جهة التشريف للأربعة والتنبيه منها، وإلا فإذا حقق النظر فكل مخلوق فهوة بالقدرة التي بها يقع الإيجاد بعد العدم.
وقرأت فرقة: {استكبرت} بصلة الألف على الخبر عن إبليس، وتكون {أم} بينة الانقطاع لا معادلة لها. وقرأت فرقة: {أستكبرت} بقطع الألف على الاستفهام، ف {أم} على هذا معادلة للألف، وذهب كثير من النحويين إلى أن أم لا تكون معادلة للألف مع اختلاف الفعلين، وإنما تكون معادلة إذا أدخلتا على فعل واحد، كقولك: أزيد قام أم عمرو؟ وقولك: أقام زيد أم عمرو؟ قالوا: وإذا اختلف الفعلان كهذه الآية فليست أم معادلة، ومعنى الآية: أحدث لك الاستكبار الآن أن كنت قديماً ممن لا يليق أن تكلف مثل هذا لعلو مكانك، وهذا على جهة التوبيخ.
وقول إبليس: {أنا خير منه} قياس أخطأ فيه، وذلك أنه لما توهم أن النار أفضل من الطين، قاس أن ما يخلق من الأفضل فهو أفضل من الذي يخلق من المفضول، ولم يدر أن الفضائل تخصيصات من الله تعالى يسم بها من شاء، وفي قوله رد على حكمة الله تعالى وتجوير. وذلك بين في قوله: {أرأيتك هذا الذي كرمت علي} [الإسراء: 62] ثم قال: {أنا خير منه}، وعند هذه المقالة اقترن كفر إبليس به إما عناداً على قول من يجيزه، وإما بأن سلب المعرفة، وظاهر أمره أنه كفر عناداً، لأن الله تعالى قد حكم عليه بأنه كافر، ونحن نجده خلال القصة يقول: يا رب بعزتك وإلى يوم يبعثون، فهذا كله يقتضي المعرفة، وإن كان للتأويل فيه مزاحم فتأمله، ثم أمر الله تعالى إبليس بالخروج على جهة الادخار له، فقالت فرقة: أمره بالخروج من الجنة.
وقالت فرقة: من السماء. وحكى الثعلبي عن الحسن وأبي العالية أن قوله: {منها} يريد به من الخلقة التي أنت فيها ومن صفات الكرامة التي كانت له، قال الحسين بن الفضل: ورجعت له أضدادها، وعلى القول الأول فإنما أمره أمراً يقتضي بعده عن السماء، ولا خلاف أنه أهبط إلى الأرض. والرجيم: المرجوم بالقول السيئ. واللعنة الإبعاد. و: {يوم الدين} يوم القيامة. و{الدين}: الجزاء، وإنما حد له اللعنة ب {يوم الدين}، ولعنته إنما هي مخلدة ليحصر له أمد التوبة، لأن امتناع توبته بعد يوم القيامة، إذ ليست الآخرة دار عمل، ثم إن إبليس سأل النظرة وتأخير الأجل إلى يوم بعث الأجساد من القبور، فأعطاه الله تعالى الإبقاء {إلى يوم الوقت المعلوم}.
واختلف الناس في تأويل ذلك، فقال الجمهور: أسعفه الله في طلبته وأخره إلى يوم القيامة، فهو الآن حي مغو مضل، وهذا هو الأصح من القولين. وقالت فرقة: لم يسعف بطلبته، وإنما أسعف إلى الوقت الذي سبق من الله تعالى أن يموت إبليس فيه. وقال بعض هذه الفرقة: مات إبليس يوم بدر.

.تفسير الآيات (82- 88):

{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)}
القائل هو إبليس، أقسم بعزة الله تعالى، قال قتادة: علم عدو الله أنه ليست له عزة فأقسم بعزة الله أنه يغوي ذرية آدم أجمع إلا من أخلص الله للإيمان به.
قال القاضي أبو محمد: وهذا استثناء الأقل عن الأكثر على باب الاستثناء لأن المؤمنين أقل من الكفرة بكثير، بدليل حديث بعث الناس وغيره. وجوز قوم أن يستثنى الكثير من الجملة ويترك الأقل على الحكم الأول، واحتجوا بقوله تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين} [الحجر: 42] وقال من ناقضهم: العباد هنا: يعم البشر والملائكة، فبقي الاستثناء على بابه في أن الأقل هو المستثنى.
وفتح اللام من {المخلصين} وكسرها، قد تقدم ذكره. والقائل: {فالحق} هو الله تعالى قال مجاهد: المعنى فالحق أنا.
وقرأ جمهور القراء: {فالحقَّ والحقَّ} بنصب الاثنين، فأما الثاني فمنصوب ب {أقول}، وأما الأول فيحتمل أن ينتصب على الإغراء، ويحتمل أن ينتصب على القسم على إسقاط حرف القسم، كأنه قال: فوالحق، ثم حذف الحرف كما تقول: الله لأفعلن، تريد: والله، ويقوي ذلك قوله: {لأملأن}، وقد قال سيبويه: قلت للخليل ما معنى لأفعلن إذا جاءت مبتدأة: قال هي بتقدير قسم منوي: وقالت فرقة: {الحق} الأول منصوب بفعل مضمر. وقال ابن عباس ومجاهد: {فالحقُّ والحقُّ} برفع الاثنين، فأما الأول فرفع بالابتداء وخبره في قوله: {لأملأن}، لأن المعنى: أن أملأ، وأما الثاني فيرتفع على ابتداء أيضاً. وقرأ عاصم وحمزة: {فالحقُّ} بالرفع {والحقَّ} بالنصب، وهي قراءة مجاهد والأعمش وأبان بن تغلب وإعراب هذه بين. وقرأ الحسن: {فالحقِّ والحقِّ} بخفض القاف فيهما على القسم، وذكرها أبو عمرو الداني.
ثم أمر تعالى نبيه أن يخبرهم بأنه ليس بسائل أجر ولا مال، وأنه ليس ممن يتكلف ما لم يجعل إليه ولا يتحلى بغير ما هو فيه. وقال الحسين بن الفضل: هذه الآية ناسخة لقوله: {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى} [الشورى: 23] وقال الزبير بن العوام: نادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم، اللهم اغفر للذين لا يدعون ولا يتكلفون، ألا إني بريء من التكلف، وصالحو أمتي، وقوله تعالى: {إن هو} يريد به القرآن. و: {ذكر} بمعنى: تذكرة، ثم توعدهم بقوله: {ولتعلمن نبأه بعد حين} وهذا على حذف تقديره: لتعلمن صدق نبإه بعد حين في توعدكم واختلف الناس في معنى قوله: {بعد حين} إلى أي وقت اشار، لأن الحين في اللغة يقع على القليل والكثير من الوقت، فقال ابن زيد: أشار إلى يوم القيامة. وقال قتادة والحسن في اللغة أشار إلى الآجال التي لهم، لأن كل واحد منهم يعرف الحقائق بعد موته. وقال السدي: أشار إلى يوم بدر، لأنه يوم عرف الكفار فيه صدق وعيد القرآن لهم.